يمكن أن يثير الركود العالمي المتوقع وسياسات التشديد المالي التي تتبعها كافة البنوك المركزية في الدول الكبرى الخوف لدى المستثمرين في أسواق الأسهم المالية.

ولكن دائما ما يحاول المستثمرون الإجابة على هذا السؤال. لا أحد يريد أن يقوم بالشراء عندما تصل الأسعار إلى الذروة، ويمكن أن يكون الاستثمار في خضم انكماش السوق أكثر ربحا، ولكن هل ممكن معرفة ما إذا كان الأسوأ قد انتهى؟ أم أن المزيد من الخسائر لم تحدث بعد؟

إذن كيف تقيم ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب لشراء الأسهم ومتى تنتظر حدوث تراجع في السوق؟

الكاتب الأميركي آدم ليفي كتب تقريرا للإجابة عن هذا السؤال في موقع “ذا موتلي فول” (The Motly Fool) المتخصص في شوؤن الاستثمار، وكان رده: “أفضل إجابة هي أنك لا تفعل ذلك”. من المرجح أن يكون كل من مستثمري صناديق المؤشرات السلبية ومستثمري الأسهم الأفراد أفضل حالًا في شراء الأسهم باستمرار وتجاهل الصعود والهبوط اليومي للسوق.

أسواق الأسهم المالية تتطلع إلى الأرباح المستقبلية المتوقعة، وتميل الأرباح إلى الارتفاع على المدى الطويل

ويقول الكاتب “الأفضل دائما لمستثمري الأسهم الأفراد هو استمرار تجاهل الصعود والهبوط اليومي للسوق”.

وإذا كنت تتطلع إلى الاستثمار من أجل المستقبل -5 سنوات على الأقل- فهذا هو الوقت المناسب أكثر من أي وقت مضى لشراء الأسهم.

رغم مخاوف الركود التي نتجت عن ربعين متتاليين من نمو الناتج المحلي الإجمالي السلبي في الولايات المتحدة خلال النصف الأول من عام 2022، فمن المهم أن نتذكر أن السوق تتطلع إلى المستقبل. فأسواق الأسهم المالية تتطلع إلى الأرباح المستقبلية المتوقعة، وتميل الأرباح إلى الارتفاع على المدى الطويل. وبالطبع، لا تزال هناك أسهم جيدة للشراء وسط الركود.

ويؤكد الكاتب أنه إذا كنت تستثمر باستمرار بمرور الوقت وتضخ المزيد من الأموال في استثماراتك -كل شهر أو نحو ذلك- فسوف ينتهي بك الأمر إلى تصحيح أو انهيار سوق الأسهم.

بالطبع، ليس من المجدي التخطيط لما لا يمكن التنبؤ به، وهو وقت حدوث الانهيار في أسعار الأسهم.

طول مدة الاستثمار قد يعني زيادة احتمالات تحقيق المكاسب، ولكنه يعني أيضا زيادة المخاطرالكاتب بيتر كوي -في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” (New York times) الأميركية- في إجابته عما إذا كان هذا هو الوقت المناسب لشراء الأسهم ومتى ينتظر حدوث تراجع في السوق؟ يقول الحكم التقليدية المتعلقة بالاستثمار إن الناس كلما تقدموا في السن يجب عليهم التقليل من أصولهم المالية المودعة في البورصة.

ومن التبريرات التي تساق في هذا الصدد، أن الأسهم ترتفع قيمتها بشكل مؤكد على المدى البعيد، ولكن على المدى القريب فإنها دائما ما تتسم بالتذبذب والتقلب، ولهذا إذا كنت متقدما في السن فأنت لا تملك الوقت الكافي لتعويض خسائرك في حال تعرضت إلى انتكاسة.

كما يرى الكاتب أن الاعتقاد بأن قيمة الأسهم ترتفع بشكل مؤكد على المدى الطويل، ليس بالضرورة صحيحا. إذ يمكن التسليم بأن طول مدة الاستثمار قد يعني زيادة احتمالات تحقيق المكاسب، ولكنه يعني أيضا زيادة المخاطر. ويمكن التفكير في هذا الاستثمار في البورصة على أنه يشبه قيادة السيارة. ومن الناحية الإحصائية فإن احتمالات التعرض لحادث في ظرف 5 سنوات أكبر بكثير من احتمالات التعرض له خلال 5 أشهر.

وهذه المخاطر التي لا تقل تأثيرا عن الفرص والمكاسب، تجعل الكاتب يؤكد أن البديهيات التي يتم تناقلها من بعض المستشارين الماليين يمكن ألا تصمد أمام التدقيق، أو عند وضعها تحت التجربة.

لذلك فإن لورانس كوتليكوف أستاذ الاقتصاد في جامعة “بوسطن” (Boston) يدعو المستثمرين ومستشاريهم إلى الاهتمام أكثر بالدراسات والمبادئ التي توصل إليها كبار علماء الاقتصاد، من أمثال بول سامويلسون.

وفي كتاب نشر له خلال هذا الأسبوع يقول كوتليكوف “إما أننا نحن أساتذة الاقتصاد فهمنا الأمر خطأ، وضيعنا قرنا كاملا من الأبحاث حول المدخرات والتأمينات والمحفظات الاستثمارية، ولجنة نوبل منحت هذه الجائزة العظيمة لبعض الاقتصاديين عن طريق الخطأ، أو أن قطاع التخطيط المالي يحتاج لإعادة التفكير بجدية فيما يتم تدريسه وتطبيقه من نظريات ونصائح”.

كوتليكوف في كتابه الذي جاء بعنوان “سحر المال: أسرار الاقتصاديين لكسب المزيد من المال والتقليل من المخاطر وتحقيق حياة أفضل” (Money Magic: An Economist’s Secrets to More Money, Less Risk, and a Better Life)، يرى أن التخطيط المثالي للاستثمار في البورصة يتمثل في تخصيص جزء كبير من الأموال لهذا القطاع في فترة الشباب، ثم التقليل من هذا النشاط تدريجيا في السنوات التي تسبق والتي تلي موعد التقاعد، ثم يعود الشخص للاستثمار للارتفاع مجددا في مرحلة لاحقة بعد مرور فترة على التقاعد.

أما التفسير النظري لهذه النصيحة المتمثلة في الدخول بقوة إلى مجال الأسهم في سنوات الشباب، فهو ليس أن قيمة الأسهم سوف ترتفع بشكل مؤكد بعد وقت طويل، بل لأن رأس المال الحقيقي لدى الشباب هو الثروة البشرية، أي الطاقة التي ينبضون بها وقدرتهم على السعي وكسب المال.

وبالنسبة للأشخاص الذين يتمتعون بوظيفة مستقرة، فإن رأس المال هذا يشبه السندات، حيث يمكن التعويل عليه لتأمين دخل منتظم في المستقبل. إضافة إلى أن الشباب عندما يخسرون استثماراتهم في الأسهم، لديهم الوقت الكافي لتكثيف جهودهم وتجميع رأس مال لتكرار التجربة.

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على