تعيش بريطانيا على أزمة تضخم غير مسبوقة في تاريخ البلاد منذ أكثر من نصف قرن، مما دفع عددا من موظفي القطاعات الحساسة في البلاد لخوض سلسلة من الإضرابات أو التلويح بخوض إضرابات خلال الأسابيع المقبلة، تشلّ عددا من المرافق الحيوية في البلاد.

وتقف بريطانيا على أعتاب أطول وأكبر سلسلة من الإضرابات احتجاجا على تدني الرواتب مقارنة مع الارتفاع الصاروخي للأسعار، والزيادة الكبيرة في فاتورة الكهرباء، والأرقام المقلقة عن زيادة أعداد البريطانيين المهددين بالنزول تحت خط الفقر.وكان أول من افتتح حملة الإضرابات هم عمال القطارات الذين خاضوا أطول وأكبر إضراب في تاريخ المملكة المتحدة، للمطالبة بالرفع من أجورهم وتحسين ظروف عملهم، ليلتحق بهم عدد كبير من موظفي القطاعات الحكومية.

إضرابات بالجملة
ومن المرتقب أن تشهد حركة القطارات في المملكة المتحدة حالة من الشلل، بسبب خوض عمال القطارات إضرابا جديدا، بعد الأخير الذي كان الأكبر في تاريخ البلاد وانخرطت فيه كل الشركات العاملة في قطاع النقل الحديدي.

وخلال نهاية الشهر الجاري، سوف يضرب حوالي 5500 سائق قطار في مختلف المدن البريطانية عن العمل لمدة 3 أيام منفصلة.

وعن أسباب الإضراب، فإن نقابات عمال القطار تطالب برفع الرواتب بأكثر من 5%، والتراجع عن قرارات شركات القطارات تسريح 2500 عامل خلال الأشهر الماضية.

وانتقلت عدوى الإضرابات إلى عمال قطاع البريد الذي يعتبر من أهم القطاعات في بريطانيا، وتعد مؤسسة “رويال ميل” (Royal Mail) من أكثر المؤسسات توظيفا في البلاد، بأكثر من 160 ألف عامل.

وتقول نقابات العمال إن الشركة حققت أرباحا تقترب من مليار دولار، وهي ترفض منذ سنوات أي زيادة في الرواتب. في المقابل تقول الشركة إنها عرضت زيادة في الرواتب بحوالي 5.5%، لكن النقابات ترفض هذا العرض وتطالب بالمزيد.

ومن المرتقب أن تصوّت أكبر نقابة للممرضات العاملات في “هيئة الصحة البريطانية” (NHS) على قرار لخوض إضراب، رفضا لمقترح حكومي بزيادة الرواتب بحوالي 4.4%، ومن المتوقع أن يشارك في هذا الإضراب حوالي 500 ألف ممرض وممرضة، مما سيؤدي إلى شلل شبه تام في المستشفيات.

وتوعّدت نقابات المعلمين بأكبر إضراب تعرفه البلاد منذ أكثر من جيل، وذلك رفضا من النقابة لعرض حكومي بزيادة تبلغ 3% للمعلمين الذي يشتغلون في قطاع التعليم لمدة 5 سنوات أو أكثر.

وتقوم نقابات التعليم بتعبئة عامة لمشاركة كل النقابات في التصويت على خوض إضراب في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أي في أوج الموسم الدراسي، ليكون التأثير أكبر.

وحتى الآن، من غير المعروف كيف ستتعامل الحكومة مع هذه الإضرابات التي تشمل أهم القطاعات مثل النقل والصحة والتعليم، في انتظار اختيار حكومة جديدة في شهر سبتمبر/أيلول المقبل.

تضخم تاريخي
وشهدت بريطانيا مؤخرا ارتفاعا قياسيا في الأسعار، حيث بلغت نسبة التضخم 9.4%، وهو الأعلى منذ 40 سنة.

وبحسب معطيات “الوكالة الوطنية للإحصاء” (ONS)، فإن الأجور ارتفعت في شهر مايو/أيار بنسبة 4.3%، لكن عند احتساب نسبة التضخم، يظهر أن مستوى الأجور في البلاد قد تراجع بنسبة 2.8% مقارنة بالسنة الماضية.وتختلف التقديرات بشأن استمرار ارتفاع نسبة التضخم، بين تقديرات من خبراء ومؤسسات مالية خاصة يتوقعون أنه سيواصل الارتفاع حتى الخريف المقبل، في حين تشير توقعات البنك المركزي البريطاني إلى انخفاض نسبة التضخم خلال الأشهر المقبلة، وتوقع البنك المركزي أن ينخفض التضخم بحوالي 2%، بعد الزيادات المتكررة في سعر الفائدة في محاولة للتحكم في الاستهلاك والاقتراض.

وتاريخيا، عندما تتجاوز نسبة التضخم 9% في بريطانيا، فإن الأمر يتطلب سنوات لا أشهرا حتى يعود لمستواه الطبيعي والمحدد بحوالي 2-3% كأقصى تقدير، وهذا ما حدث في السبعينيات عندما ارتفعت نسبة التضخم فوق 20%، حيث تطلب الأمر حوالي 10 سنوات ليعود التضخم إلى مستواه الطبيعي.

وتوقّعت مؤسسة “الحملة الوطنية للطاقة” (National Energy Action) أن تقترب أكثر من 8.2 ملايين أسرة بريطانية من خط الفقر، وذلك بسبب التوقعات بأن تصل الفاتورة السنوية للطاقة إلى أكثر من 3500 دولار بحلول أكتوبر/تشرين الأول.

وبحسب المؤسسة نفسها، فإن ثلث الأسر البريطانية قد تجد نفسها أمام خطر الفقر بحلول الخريف المقبل، لعدم قدرتها على دفع فاتورة الطاقة. وقد ارتفع عدد الأسر المهددة بالفقر من 4.5 ملايين أسرة خلال أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي إلى 8.2 ملايين أسرة.

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على