لإدارة شؤونك المالية بشكل صحيح، لا يقتصر الأمر على أن تتمتع بالمعرفة التقنية فقط؛ إذ إن للمستثمرين صفات نفسية تسهم بطريقة مهمة أكثر مما نعتقد في اتخاذ قرارات الاستثمار.

يقول الكاتب جوليا ريغادير -في تقرير نشرته مجلة “بسيكولوخيا إي منتي” (psicologiaymente) الإسبانية- إنه ربما قد شاهدت في العديد من الأفلام أن الصورة النفسية للمستثمر في سوق الأسهم تظهره على أنه شخصية جشعة وغير إنسانية تتصرف فقط بدافع المصلحة الذاتية، ورغم ثبات هذه الصورة النمطية فإنها في الواقع غير صحيحة.

وقدم الكاتب تحليلًا للعلاقة بين علم النفس والاستثمار من خلال الصفات النفسية الرئيسية التي يتميز بها مستثمرو البورصة.

العلاقة بين علم الاقتصاد وعلم النفس
يبين الكاتب أن سوق الأسهم يدور حول الاقتصاد، ولكن له صلة وثيقة جدًّا بعلم النفس، إذ يعد السوق بمثابة انعكاس للتفاعلات بين ملايين الأشخاص الذين يتخذون قرارات الاستثمار بناء على مشاعرهم وعواطفهم، فيعرف المستثمرون الأكثر خبرة أن الأسواق ترتفع عندما يكون المستثمرون مبتهجين، وتنخفض بشكل حاد عندما يسيطر الخوف والذعر على المستثمرين، وهذه العوامل تجعل المستثمر الجيد ليس فقط متخصصًا في القضايا الفنية المتعلقة بحاضر الشركات ومستقبلها، ولكن أيضًا يجب أن يكون محلِّلا جيدًا للمناخ النفسي في أي وقت. إذن يمكن القول إن هذا المناخ له تأثير مباشر للغاية على إعادة تقييم أو انخفاض قيمة بعض الشركات والأسواق.

الصفات الشخصية والنفسية التي ينطوي عليها الاستثمار
لفهم هذه العملية برمتها، سلط الكاتب الضوء على الخصائص النفسية التي تؤثر بشكل كبير على الاستثمار طويل الأجل، وذلك بهدف فهم المتغيرات التي تؤثر بشكل كبير على المستثمرين عندما يتعلق الأمر بإدارة أموالهم الخاصة. وفي ما يلي نستعرض أهم هذه الخصائص.

الطموح
يعد الطموح إحدى الصفات الأساسية للمستثمر في سوق الأسهم، فعندما نستثمر فإننا نفعل ذلك بهدف تحقيق أقصى قدر من العائدات على مدخراتنا، سواء على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل.

وهذه الصفة نفسها هي التي تضمن البحث وتحليل الأسواق والشركات المختلفة لاكتشاف تلك الأعمال الممتازة المدرجة بأسعار منخفضة، ولكي تكون مستثمرًا عليك أن تعرف كيفية تحسين الوقت والموارد. وبفضل الطموح سنتمكن من وضع أهداف قابلة للقياس لأنفسنا لتحسين نتائجنا تدريجيًّا.

التخطيط
التخطيط يساعدنا في تطوير إستراتيجيتنا الاستثمارية الخاصة، وسيكون من المفيد جدًّا لنا أن نعرف كيف يجب أن نتصرف في جميع الأوقات في الأسواق المالية.

والمفترض أن تشمل خطة الاستثمار كل تلك القواعد التي ستتبعها استثماراتنا؛ من السوق الذي نعمل فيه، والمخاطر التي نتحملها لكل عملية، والمؤشرات التي نستخدمها، إلى النسبة المئوية للأموال التي نستثمرها في كل شركة.

القدرة على التكيف
ويستمر الكاتب موضحًا أنه في مواجهة بيئة متغيرة مثل البيئة الحالية، يجب أن يتمتع المستثمر بقدرة كبيرة على التكيف لاكتشاف الاتجاهات الجديدة أو الأسواق المتنامية أو الفقاعات المحتملة التي يمكن أن تنتهي بالتأثير على استثماراتهم، كما هي الحال في الأزمة المالية والعقارية لعام 2007.

وأشار الكاتب إلى أن القدرة على التكيف شيء يمكننا تعلمه من خلال تجربتنا الخاصة عبر المواقف المختلفة التي مررنا بها في الأسواق، ولكن يمكننا أيضًا التعلم من خلال قراءة وتحليل الأحداث التاريخية التي غيرت مسار الأسواق، مثل انهيار بورصة وول ستريت 1929، أو أزمة النفط في الثمانينيات، أو فقاعة الإنترنت عام 2000.

الانضباط
ويوضح الكاتب أن انضباط المستثمر يعتمد على عدة عوامل، من بينها نجد الانضباط في إستراتيجيتنا الاستثمارية والانضباط في الادخار، ويكمن الانضباط في إستراتيجيتنا من الامتثال للقواعد والمبادئ التوجيهية الموضوعة في خطتنا الاستثمارية.

ومن ناحية أخرى يتمثل الانضباط في الادخار في تخصيص نسبة معينة من راتبنا كل شهر لتخصيصها للاستثمار؛ فبفضل الانضباط في هذين المجالين سنكون قادرين على إنشاء إرث جيد بمرور الوقت.

الصبر
أكد الكاتب أن الصبر مهم جدًّا في الاستثمار طويل الأمد؛ ففي مجتمع اليوم اعتدنا المطالبة بنتائج فورية لتلبية توقعاتنا بسرعة. ومع ذلك، فإن الاستثمار طويل الأجل ليس مثل سباق 100 متر، إنه أشبه بسباق الماراثون، حيث يتعين عليك التحلي بالصبر وتحمل الطقس السيئ والإرهاق من أجل عبور خط النهاية.

المرونة
المرونة هي قدرة الناس على مواجهة حالات التوتر والضغط، ففي الأسواق نجد أنفسنا مع هذا النوع من المواقف كل يوم، ومن الضروري أن يكون لديك توازن عاطفي جيد للنهوض من جديد في كل مرة تشعر فيها بانعدام الأمن.

وخلال أوقات الأزمات يجب أن نكون أكثر مرونة، فرغم أن استثماراتنا تتكبد خسائر فادحة، فإنه في هذا النوع من المواقف يوفر لنا السوق فرصًا استثمارية أكبر، والتي ستوفر لنا عوائد ممتازة بمجرد مرور هذه المحنة.

التحسين المستمر
وشدد الكاتب على أن التحسين المستمر هو العامل الذي يسمح لنا بتعزيز الصفات الست السابقة يومًا بعد يوم، لذلك من المهم العمل على نقاط ضعفنا حتى تكون صفاتنا النفسية أكثر قوة.

ونوه الكاتب إلى أن هناك دائمًا مجالا للتحسين في كل شيء، وإذا تمكنا من التحسن كل يوم بالطريقة التي نخطط بها بشكل أكثر كفاءة، أو في انضباط خطتنا الاستثمارية، أوفي القدرة على التكيف مع البيئات الجديدة، أو في التحلي بالصبر في مواقف معينة في السوق، فإننا سنحقق تحسنا ملحوظا كمستثمرين.

التوازن بين المهارات الفنية والنفسية
وأضاف الكاتب أنه من أجل الحصول على نتائج جيدة في الاستثمارات التي نقوم بها، من الضروري دمج مهاراتنا التقنية بشكل صحيح مع استعدادنا النفسي. فدون أدنى شك سيخسر الشخص الذي لديه تدريب تقني ممتاز ولكنه لا يعرف كيفية التحكم في عواطفه عند استثمار أمواله باستمرار في سوق الأوراق المالية، حيث سيتخذ قرارات استثمارية متأثرة بالجشع أو الخوف أو الذعر أو النشوة.

وبالتالي -حسب الكاتب- وحتى لا تؤثر علينا هذه المشكلة سلبًا؛ يوصى بشدة أولًا وقبل كل شيء بتلقي التدريب اللازم على كل تلك التقنيات الاستثمارية التي تسمح لنا بالعمل بطريقة آمنة ومنطقية، والعمل على الجانب النفسي من اللحظة التي نبدأ فيها الاستثمار بأموال حقيقية.

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على