الجميع في عصر كورونا يسجل أرقاماً غير مسبوقة في عدة عقود وربما قياسية، لكن معظم هذه البيانات يغلب عليها الطابع السلبي.
ومجدداً، شهد الاقتصاد العالمي علامات فارقة كثيرة، سواء فيما يتعلق بالنظرة المتشائمة حول الأداء الاقتصادي أو عدد الوظائف المفقودة، والتي تتصدر قائمة السلبيات الناجمة عن وباء “كوفيد-19” في ظل سباق “من الأسوأ؟” الذي نعيشه في الفترة الحالية.
وانكمش النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو لمستوى قياسي متدنٍ، وفي حين أن نشاط الخدمات كان الأدنى على الإطلاق في المملكة المتحدة فإنه سجل أدنى قراءة في 11 عاماً داخل الولايات المتحدة ويواصل كذلك الانكماش في الصين.
ومع عقد المركزي البريطاني اجتماع سياسته النقدية في الأسبوع الماضي، كشف عن توقعات صادمة، حيث يضع تقديرات بأن اقتصاد بريطانيا سينكمش بنحو 14 بالمائة في العام الجاري، والتي من شأنها أن تكون أسوأ وتيرة ركود اقتصادي منذ عام 1706.
وبالنظر إلى الوضع في منطقة اليورو، فمن المتوقع أن تشهد انكماشاً تاريخياً خلال 2020 بنحو 7.7 بالمائة بسبب الصدمة التي شكلها وباء “كوفيد-19” وعواقبه الاقتصادية والاجتماعية.
وفي حين أن البنك المركزي الأوروبي يضع توقعات أقل حدة بشأن الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو، إلا أن رئيسة البنك كريستين لاجارد تؤكد أن المنطقة مهددة بانكماش اقتصادي غير مسبوق في وقت السلم من حيث الحجم والسرعة.
وكان اقتصاد منطقة اليورو انكمش بوتيرة قياسية خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 3.8 بالمائة، كما أن مبيعات التجزئة تراجعت بأكبر وتيرة على الإطلاق.
أما في هونج كونج، تعرض الاقتصاد إلى انكماش بوتيرة هي الأكبر في حوالي 46 عاماً خلال الربع الأول من 2020 بانخفاض 5.3 بالمائة.
ولم يكن الوضع أفضل حالاً في سوق العمل الأمريكي، حيث أن معدل البطالة في الولايات المتحدة قفز إلى أعلى مستوى منذ الحرب العالمية مع صعوده إلى 14.7 بالمائة بنهاية الشهر الماضي، وسط فقدان 20.5 مليون وظيفة في أبريل/نيسان وحده.
ويعتقد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية مينيابوليس “نيل كاشكاري” إن المعدل الحقيقي للبطالة قد يتراوح بين 23 أو 24 بالمائة، والتي من شأنها أن تكون مستويات كارثية.
ومع ذلك تسارع نمو أجور الموظفين في الولايات المتحدة بوتيرة قياسية بلغت 7.9 بالمائة في الشهر الماضي على أساس سنوي، مع حقيقة تخارج أصحاب الدخول المنخفضة من سوق العمل.
وفي واقع الأمر، فإن عدد الذين تقدموا لأول مرة بطلبات للحصول على إعانات بطالة في الولايات المتحدة بلغ 33.5 مليون شخص في غضون 7 أسابيع فقط.
وشهد عدد العاطلين عن العمل في إسبانيا، الذين يطلبون إعانة البطالة، قفزة قياسية خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، مع أضرار كورونا على سوق العمل.
وفي ظل محاولات الحفاظ على وظيفة الأسواق وسط تداعيات كورونا، تستمر الميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي في الصعود لمستويات قياسية جديدة بشكل أسبوعي وإن كانت وتيرة الزيادة تباطأت مؤخراً.
كما أن وزارة الخزانة الأمريكية تتوقع اقتراض مبلغ قياسي خلال الربع الجاري يصل إلى 2.999 تريليون دولار من أجل دفع تكاليف إجراءات مكافحة “كوفيد-19”.
وفي دليل جديد على طبيعة كورونا المدمرة للاقتصادات، تراجع ائتمان المستهلكين في الولايات المتحدة خلال مارس/آذار الماضي لأول مرة منذ عام 2011.
ومع القيود المفروضة على الحركة بفعل كورونا، فإن صادرات ألمانيا هبطت بنسبة قياسية بلغت 11.8 بالمائة خلال مارس/آذار الماضي، كما أن الإنتاج الصناعي في البلاد شهد تراجعاً قياسياً بالفترة نفسها، في حين أن طلبيات المصانع سجلت أكبر وتيرة هبوط منذ عام 1991.
وبسبب عمليات الإغلاق المفروضة لمواجهة تفشي الوباء، تهاوت مبيعات السيارات الجديدة في السوق البريطاني بنحو 97.3 بالمائة في الشهر الماضي، وهي الأكبر على الإطلاق.
وفي سياق الجهود المبذولة من جانب البنوك المركزية والرامية لكافحة الوباء، تواصل البنوك المركزية الكبرى شراء الأصول لدعم الاقتصادات بينما خفضت ماليزيا معدل الفائدة بأكبر وتيرة منذ عام 2009 فيما قررت النرويج خفض الفائدة إلى صفر.
وبالنظر إلى الوضع في الأسواق الناشئة، فإنه من المتوقع أن تواجه اقتصادات هذه الدول عجزاً مالياً غير مسبوق، بفعل التعامل مع أزمة الصحة العالمية وأزمة النمو الاقتصادي، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.
وفي نهاية المطاف، فإن العالم قد يكون بحاجة إلى استثمارات عامة تصل قيمتها إلى 20 تريليون دولار في العقدين القادمين بعد انتهاء فترة الوباء، بحسب ما يعتقده صندوق النقد الدولي، مع حقيقة أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تستبعد سيناريو التعافي السريع للاقتصاد العالمي.
مباشر