عانت أسواق النفط اضطرابات غير مسبوقة بعدما تراجعت أسعار الخام الأمريكي إلى النطاق السالب لأول مرة على الإطلاق، كما سجل خام برنت أدنى مستوياته في نحو عقدين.

ومن أجل فقط وضع الأمور في منظورها الصحيح، فإن المستثمرين قاموا ببيع النفط بقوة منذ أوائل شهر مارس/آذار الماضي، استجابة لانهيار 30 بالمائة في الطلب على الخام بفعل تفشي وباء “كوفيد-19” وتداعياته الاقتصادية.

ومع ذلك، فإن “السعر بالسالب” مشهد لم يحدث من قبل في التاريخ كما أن وتيرة الهبوط المسجلة في خام غرب تكساس والتي بلغت 300 بالمائة في بداية الأسبوع لم تكن مسبوقة أيضاً.

وببساطة، فإن السعر بالسالب يعني أنه يجب على المنتجين دفع أموالاً إلى التجار من أجل التخلص من عقود النفط قبل ساعات من انتهاء صلاحيتها، لكن هناك معضلة أخرى ألا وهي عدم وجود مساحات كافية للتخزين.

وتعتبر مساحات تخزين النفط في البر حالياً ممتلئة بنحو 85 بالمائة، طبقاً لشركة أبحاث الطاقة “كبلير”، كما أن أكبر شركة للتخزين في العالم تقول إن كافة المساحات تم بيعها.

ورغم التعافي اللاحق، لكن الخام لم ينجح في حصد المكاسب على الصعيد الأسبوعي، كما أن وتيرة التقلبات بين الصعود القوي تارة وبين الخسائر مرة أخرى جعلته الأسبوع الأكثر اضطرابات في تاريخ أسواق النفط.

حسابات معقدة

وفي مجمل الأسبوع، سجل عقد يونيو/حزيران من خام غرب تكساس خسائر بنحو 32.3 بالمائة، والتي كانت أكبر خسارة أسبوعية على الإطلاق كبقاً لبيانات “داو جونز ماركت داتا”.

وبالنسبة لخام نايمكس عقد مايو/آيار، فشهد خسائر بنحو 300 بالمائة يوم الإثنين فقط ليغلق عند سالب 37.63 دولار للبرميل، في حين أنه صعد 125 بالمائة في اليوم التالي، وهو اليوم الأخير في صلاحية هذا العقد، ليصل إلى 10.10 دولار للبرميل عند التسوية.

أما على صعيد خام برنت عقد يونيو/حزيران، فتعرض هو الآخر إلى ضربة قوية مع تسجيله أدنى مستوى منذ عام 2002 في تداولات الثلاثاء عند 17.51 دولار للبرميل، قبل أن ينهي الأسبوع على هبوط بلغ 23.7 بالمائة.

ماذا عن أسباب الانهيار؟، يعتقد البعض أن المضاربات هي كلمة السر فيما شهدناه في الأيام القليلة الماضية في سوق النفط، في حين يفسر آخرون ما حدث لا يعبر عن حالة ذعر لكنه أمر منطقي تماماً.

ويمكن أن يكون ما يحدث عبارة عن تكرار للمشهد الذي حدث في منتصف الثمانينيات، الكثير من المعروض والقليل للغاية من الطلب.

وفي نظرة متفائلة، يتوقع المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض “لاري كودلو” أن تتعافى أسعار النفط مع إعادة فتح الاقتصاد، قائلاً: “سنخرج قريباً من هذا الوضع وسوف تتعافى الأسواق بمرور الوقت”.

لكن على الجانب المتشائم، يرى محللون أن الأسعار قد تعاود الهبوط للنطاق السالب مجدداً، وحتى في أكثر السيناريوهات تشائماً يشير البعض إلى مستوى سالب 100 دولار للبرميل وتحديداً مع اقتراب نهاية صلاحية العقد الحالي (يونيو/حزيران).

وفي واقع الأمر، سوق النفط يحكمه في الأساس العرض والطلب، ومن المستبعد أن يشهد تعافياً قوياً ما لم يتم معالجة هذه العوامل قبل كل شيء.

وترك جمود النشاط الاقتصادي على خلفية تدابير مكافحة كورونا بصمته على الطلب العالمي على الخام الذي يتراجع بشكل حاد وسط استمرار عمليات الإغلاق الوطني وتوقف حركة السفر وغيرها من القيود.

الاتفاق الفاشل

أما بالنسبة لاتفاق خفض إمدادات النفط والذي توصلت له منظمة الدول المصدرة للنفط ومنتجي الخام الحلفاء من خارج أوبك، وهي المجموعة التي يشار إليها باسم “أوبك+”، فإنه يثبت فشله حتى الآن.

وجاء اتفاق تحالف “أوبك+” بعد خلافات بين كبار المنتجين في بداية الشهر الماضي أدت إلى اندلاع حرب الأسعار وزيادة في المعروض.

ومع ذلك، فإن التوصل إلى اتفاق تاريخي يهدف لخفض 9.7 مليون برميل يومياً في الإمدادات النفطية لم يساهم في حل المأزق التي يواجه سوق الخام، حيث إنه سيبدأ تنفيذه في بداية الشهر المقبل.

وعلى صعيد آخر، يستمر إنتاج النفط الأمريكي في الهبوط كما تواصل شركات التنقيب عن الخام في الولايات المتحدة في وقف النشاط.

يوم الحساب

ومن شأن الانهيار التاريخي في أسعار النفط أن يُلقي بظلال سلبية على البعض، مع حقيقة أن اليعض يواجه سيناريو “يوم الحساب”.

وتأتي في المقدمة شركات النفط التي تحمل الكثير منها الديون في الأوقات الجيدة، لكن البعض مهدد بعدم القدرة على الصمود في ظل الظروف الحالية، ما يعني أننا نعيش في “كابوس حقيقي”.

وفي نفس السياق، يؤكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إدارته لن تسمح بانهيار صناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة، حيث وجه أوامره لصياغة خطة توفر الأموال لهذه الشركات والوظائف.

وعلى الجانب الآخر، يحذر وزير المالية الفرنسي “برونو لو مير” من أن انهيار أسعار النفط تشكل خطراً على الاقتصاد العالمي.

ماذا عن الأسعار في المستقبل؟

خفض البنك الدولي توقعاته لأسعار النفط هذا العام، حيث يعتقد أن متوسط الأسعار سيلغ 35 دولاراً للبرميل بانخفاض 43 بالمائة عن المتوسط في عام 2019.

في حين يتوقع “كومرتس بنك” أن سعر خام برنت سيرتفع إلى 40 دولاراً للبرميل بنهاية العام الجاري بدعم تعافي الطلب في النصف الثاني من 2020 وتخفيضات الإنتاج.

مباشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على