يستعد رئيس البنك المركزي الأوروبي “ماريو دراجي” للرحيل في غضون أيام قليلة بعدما شارك في اجتماع السياسة النقدية عن شهر أكتوبر/تشرين الأول.

وتصل رحلة الإيطالي الذي حارب بكافة الأدوات الممكنة من أجل إنقاذ منطقة اليورو إلى النهاية، وسط محطات عديدة في فترة ولايته.

وشارك دراجي في آخر اجتماع للسياسة النقدية يوم الخميس الموافق 24 أكتوبر/تشرين الأول قبل تنحيه عن المنصب يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول، مع التأكيد على إمكانية استمرار برنامج التيسير الكمي.

ومع حلول يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني سوف يستقبل البنك المركزي الأوروبي رئيساً جديداً بعد حوالي 8 أعوام تحت قيادة “ماريو دراجي” الذي يغادر نهاية هذا الشهر.

وكان ماريو دراجي الذي عُين رئيساً للبنك في 1 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، شاهداً على العديد من الأزمات التي واجهت العالم ومنطقة اليورو بشكل خاص.

وتركت أزمة الديون السيادية في عام 2011 آثاراً سلبية قوية وممتدة على منطقة اليورو كما أن أسواق السندات شعرت بحالة من الذعر في العام التالي وسط مخاوف من التخلف عن سداد الديون وانهيار منطقة اليورو في نهاية المطاف.

ومع مغادرة دراجي منصبه وتولي بدلاً منه “كريستين لاجارد” المديرة السابقة لصندوق النقد الدولي، يجب تسليط الضوء على الأمور المضيئة في تاريخه وكذلك الإخفاقات التي خلفها.

وبالنظر إلى أداء دراجي فيما يتعلق بالوضع داخل منطقة اليورو، فقد حاول بكافة السبل تنفيذ الوعد الذي قطعه على نفسه في بداية توليه المنصب عندما كلماته الثلاثة الشهيرة من أجل دعم منطقة اليورو وهي “whatever it takes” أو “مهما تطلب الأمر”.

ويُنسب الفضل لـ”دراجي” في العديد من النقاط مثل وتيرة تدشين التوظيف والنمو الاقتصادي الذي نجح في إنعاشه وإن كان بدأ يتأثر سلباً في الآونة الأخيرة.

وبلغ نمو اقتصاد منطقة اليورو 1.6 بالمائة في عام 2011 لكنه دخل في مرحلة انكماش خلال العامين التاليين قبل أن يتعافى ويتحول للنمو مجدداً في عام 2014.

وفي عام 2017، سجل الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو زيادة بنسبة 2.5 بالمائة قبل أن يتخذ اتجاهاً هابطاً بالعام الماضي ويكافح للنمو في 2019.

ويتوقع أن يشهد اقتصاد منطقة اليورو نمواً بنسبة 1.2 بالمائة و1.4 بالمائة في العامين الحالي والمقبل وهو أقل بنحو 0.1 بالمائة و0.2 بالمائة من تقديرات يوليو/تموز، وفقاً لرؤية صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى تزايد الغيوم مجدداً في سماء الاقتصاد العالمي.

ويُعد نمو التوظيف منذ عام 2013 عندما خرجت منطقة اليورو من الركود الاقتصادي أحد أكبر إنجازات ماريو دراجي، حيث نجح في تدشين نحو 11 مليون وظيفة حتى الآن.

وبالنسبة لمعدل البطالة، فتراجع إلى 7.4 بالمائة في شهر أغسطس/آب الماضي، وهو ما يمثل تحسناً قوياً مقارنة بالمستويات المسجلة في عامي 2012 و2013 والتي كانت أعلى من 12 بالمائة.

لكن كذلك كان هناك مجالات إخفاق واضحة أبرزها الفشل في دفع التضخم لمستهدف البنك المركزي والذي يقف عند مستوى قريب لكن دون قليلاً 2 بالمائة.

وتراجع معدل التضخم السنوي في منطقة اليورو إلى 0.8 بالمائة خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي مقابل 1 بالمائة المسجلة في أغسطس/آب السابق.

ويقارن ذلك مع معدل التضخم عند مستوى قريب من 3 بالمائة بالتزامن مع تولي دراجي المنصب في أواخر عام 2011، وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات يوروستيت.

ومع ذلك فإن هذا الأمر لم يفلح، حيث بلغ متوسط نمو مؤشر أسعار المستهلكين خلال فترة دراجي البالغة 8 سنوات حوالي 1.2 بالمائة وهو ما يأتي على عكس رؤساء البنك السابقين، حيث كان التضخم حينذاك أقل قليلاً من المستهدف.

وفي أواخر عام 2014 والربع الأول من عام 2016 شهد مؤشر أسعار المستهلكين في منطقة اليورو انكماشاً لكن مع ذلك فإن الأرقام الحالية أقل بكثير من مستهدف البنك.

وبلغت تكلفة محاولة المركزي الأوروبي التغلب على أرقام التضخم الضعيفة حوالي 2.6 تريليون يورو (2.9 تريليون دولار) في هيئة برنامج شراء الأصول.

ومع ذلك، يغادر رئيس المركزي الأوروبي حالياً وسط شكوك متزايدة حول فعالية أدوات السياسة النقدية في ظل عدم اليقين التجاري والاقتصادي إضافة لضغوط البريكست.

كما أن قراراته الأخيرة تسببت في حدوث انقسام نادر داخل أرجاء البنك المركزي بالإضافة إلى مغادرته وسط معدلات الفائدة التي تقف عند مستويات متدنية للغاية.

وتُعرف فترة دراجي بالتحفيز النقدي غير المسبوق وسط تعهده بالقيام بكل ما يتطلبه الأمر من أجل الحفاظ على منطقة اليورو، وهو ما يعني أن الرئيس الجديد للبنك – لارجاد – ستحمل إرثاً ثقيلاً وعليها اتخاذ تدابير وقائية قبل فترة الاتجاه الهبوطي القادم في الاقتصاد، وفقاً لتقرير نشرته وكالة “بلومبرج”.

ومن المفارقات أن يُعود الإيطالي الذي شغل رئاسة المركزي الأوروبي لنحو 8 أعوام إلى “المربع نفسه” مع استعداده للرحيل، وذلك فيما يتعلق ببرنامج التيسير النقدي.

وفي بداية فترة ولايته دشن دراجي برنامجاً لشراء الأصول من أجل مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، وهو ما أنهاه في نهاية العام الماضي.

لكن مع اقتراب فترة ولايته على الانتهاء، أعلن رئيس البنك بدء جولة جديدة من هذا البرنامج تبدأ في 1 نوفمبر/تشرين الأول بوتيرة شهرية قيمتها 20 مليار يورو دون الإشارة إلى نهاية محددة، حيث قرر أن تستمر هذه العملية طالما يستلزم الوضع.

ويأتي ذلك بالتزامن مع خفض معدل الفائدة على الودائع أكثر داخل النطاق السالب، وهي القرارات التي أرجعها دراجي إلى التباطؤ المطول في النمو الاقتصادي ومخاطر التجارة الهبوطية ومراجعة توقعات التضخم في الاتجاه الهابط.

ويعارض الكثيرون قرارات السياسة التي نفذها دراجي، حيث صور غلاف صحيفة “بيلد” الألمانية رئيس المركزي الأوروبي على أنه “الكونت دراجي” للتعبير عن مدى استنزافه لإيرادات الفوائد من المدخرين الألمان مع برنامج التيسير الكمي اللانهائي ومعدلات الفائدة السالبة.

وفي إشارة جديدة على معارضة سياسة الأموال الرخيصة تلك، قامت سيدة في مؤتمر صحفي شارك به دراجي وعقد في 15 أبريل/نيسان 2015 بمقر البنك في فرانكفورت بألمانيا بالتعدي على المنصة التي أمامه وألقت عليه قصصات من الورق، قائلة: “أوقفوا ديكتاتور البنك المركزي الأوروبي”.

لكن في المقابل يعتقد البعض أنه يجب التركيز على الأعمال الجسورة التي نفذها دراجي لإنقاذ منطقة اليورو، حيث يشير الاقتصادي محمد العريان إلى أن مشاكل البنك المركزي الأوروبي ليست خطأ رئيسه.

مباشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على