مع تراجع معدل البطالة الأمريكي لأدنى مستوى في 50 عاما، قد يبدو من المحتمل أن يساهم المستهلك الأمريكي في تعويض آثار تداعي الاقتصاد، لكن لا تراهن على ذلك.

ويقول جاري شيلنج المحلل المالي الأمريكي عبر مقال لوكالة “بلومبرج” إن من الواضح إن الاقتصاد الأوسع نطاقاً ليس ضعيفاً فقط إنما هو مستمر في ضعفه هذا، حيث انعكس منحنى العائد على السندات، وانخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية لآجل 10 سنوات إلى مستوى أقل من نظيره على السندات ذات العائد لمدة عامين.

وفي كل مرة انعكس فيها العائد على السندات في عصر ما بعد الحرب العالمية، كان الركود الاقتصادي هو الأمر التالي مباشرة، ولا يوجد أي استثناءات في تلك الحالة.

وقال بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس إنه كلما انخفضت معدلات الفائدة الحقيقية في وقت انعكاس منحنى العائد كلما طالت فترات ركود الاقتصاد وقفز معدل البطالة.

والعائد الحقيقي على سندات الخزانة الأمريكية (العائد – التضخم) لآجل 10 سنوات عند -0.13 بالمائة، وهو مستوى أقل من 2.2 بالمائة التي سبقت الركود الاقتصادي الكبير من 2007 وحتى 2009.

وانكمش مؤشر مديري المشتريات الصناعي في الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي وسجل 47.8 نقطة، وبالرغم أن التشغيل في القطاع الصناعي يساهم بـ8.5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي ولكن بإضافة قطاعات النقل والتخزين والتجزئة فإن إجمالي المساهمة ترتفع عند 30 بالمائة.

وفي الشهر الماضي هبطت وظائف قطاع التصنيع بمقدار ألفي وظيفة مقارنة بمتوسط المكاسب الشهرية عند 10 آلاف وظيفة في العام الماضي.

وتراجع مؤشر مديري المشتريات الخدمي في الولايات المتحدة لأدنى مستوى في 3 سنوات في الشهر الماضي.

وتشير المؤشرات التي جمعها بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وكليفلاند إلى أن احتمالية ركود الاقتصاد عند مستويات تتسق بالفعل مع الدورة الهبوطية، كما انخفض مسح التوقعات الاقتصادية للرؤساء التنفيذيين لـ”بيزنس راوند تيبول” من مستوى 118.6 نقطة في الربع الأول من 2018 إلى مستوى 79.2 نقطة في الربع الثالث الماضي.

وفي الشهرين الماضيين تراجع الإنتاج الصناعي، كما أن الإنفاق الرأسمالي يتراجع بسبب عدم اليقين الناتج عن الحرب التجارية، فضلاً عن القدرة الإنتاجية الزائدة.

وتوقع محللي “وول ستريت” منذ عام مضى أن ترتفع الأرباح التشغيلية لشركات مؤشر “ستاندرد آند بورز” بنحو 10 بالمائة في العام الجاري، ولكنهم يتطلعون الآن إلى نمو 1.9 بالمائة، إلى جانب توقعات بانخفاض الأرباح بنحو 4.1 بالمائة في الربع الثالث الماضي.

كما يتم التخلص من السندات ذات التصنيف الائتماني غير الاستثماري (الخردة)، ما دفع فروق العائد على سندات الشركات ذات تنصيف الائتماني “سي.سي.سي” إلى مستوى 10.7 بالمائة مقارنة بمستوى 6.7 بالمائى في بداية العام الماضي، ما ينبأ بضعف الأرباح.

كما يتخارج المستثمرون من الشركات التي لا تحقق مبيعات قوية مثل “أوبر” و”وي ورك” وغيرها.

ويمثل إنفاق المستهلك الحقيقي نحو 70 بالمائة من حجم الناتج الإجمالي المحلي في الولايات المتحدة، وسجل تراجعاً في 7 فترات ركود من أصل 13 ركود اقتصادي حدث في أعقاب الحرب، بينما ارتفاع خلال 6 منها.

ورغم ذلك، فإن أي تباطؤ في نمو إنفاق الأسر بالتزامن مع ضعف الإنفاق الرأسمالي والإسكان والتجارة الخارجية سيدفع الاقتصاد نحو التراجع.

أما نمو الوظائف فيتباطأ خلال الأشهر الستة الماضية مع متوسط نمو الوظائف الجديدة شهرياً عند 154 ألف وظيفة، مقارنة بمستوى 204 ألف وظيفة في الأشهر الستة السابقة لها.

كما أن متوسط نمو الأجور في الساعة تباطأ من مستوى 3.2 بالمائة في العام المنتهي في أغسطس/آب إلى مستوى 2.9 بالمائة في سبتمبر/آيلول.

ومن الممكن أن يكون لتوقعات وثقة المستهلك تأثيرات كبيرة على مستقبل الإنفاق، وانخفضت كل من استطلاعات جامعة ميشيغان ومجلس المؤتمرات في الأشهر الأخيرة، وبالتالي الآن انضم أخرون للتحذير من احتمالية الدخول في ركود اقتصادي قريباً.

ويظهر مسح لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويروك انخفاضاً في توقعات المستهلك للتضخم، ويخشى المركزي أن تتوقف الأسر عن الإنفاق توقعاً لحدوث مزيد من هبوط الأسعار.

كما أظهر مسح جامعة ميشيغان انخفاضاً مستمراً في تقييم الأسر لظروف شراء السيارات والمنازل، كما وجد المسح أيضاً أنه اعتبارا من يوليو/تموز توقع 59 بالمائة من المشاركين أن تنخفض أسعار الفائدة على مدار الـ12 شهر المقبلين مقارنة بـ22 بالمائة في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وهبوط معدلات الفائدة وتوقع المزيد منه مستقبلاً يشجعان الناس على تأجيل الإنفاق وزيادة الإدخار، من أجل الوفاء بأهداف التقاعد وغيرها من الإلتزامات.

والاستقطاب المستمر للدخل والأصول يعني أيضاً المزيد من الأموال للأثرياء، الذين يمثلون جميع مدخرات الأسر تقريبًا، ودخل أقل بالنسبة للمستهلكين من ذوي الدخل المنخفض.

وارتفع إجمالي معدل ادخار الأسر من 1.9 بالمائة في عام 2005 إلى أكثر من 8 بالمائة في أغسطس/آب الماضي، وسوف يستمر بلا شك في الارتفاع.

وهناك حوالي 28 بالمائة من الأمريكين ليس لديهم احتياطيات مالية، مع وجود 18 بالمائة فقط يمكنهم تغطية ستة أشهر أو أكثر من النفقات.

وارتفاع قروض السيارات والطلاب وبطاقات الائتمان يضغط على المستهلك لكبح الإنفاق، وقفز إجمالي قروض الأسر من 65 بالمائة من الدخل بعد الضرائب في بداية الثمانينات حتى 133 بالمائة في 2007، وخفضت عمليات سداد وشطب قروض الرهن العقار نسبة تلك الديون ولكن فقط إلى مستوى 90 بالمائة.

ومن المحتمل أن تعود الديون إلى معاييرها طويلة الأجل خاصة وأن جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية مجبر على الادخار إذا كان لا يريد الاستمرار في العمل لفترة طويلة بعد سن التقاعد.

وبالتالي انظر إلى الضعف الظاهر في قطاعات التوظيف وإنفاق المستهلكين في الأشهر المقبلة وسترى العوامل المؤيدة لقرب حدوث الركود الاقتصادي.

مباشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على