تظل وتيرة نشاط الاقتصاد العالمي ضعيفة، كما تتوقع الأسواق المالية أن تبقى معدلات الفائدة منخفضة لفترة أطول مما كان متوقعاً في بداية العام الحالي.

وشهدت الظروف المالية تيسيراً أكثر، ما ساعد في احتواء المخاطر الهبوطية ودعم الاقتصاد العالمي في المدى القريب، وفقاً لتقرير نشرته مدونة صندوق النقد الدولي.

لكن تخفيف الظروف المالية جاء مصحوباً بتكلفة، حيث شجعت المستثمرين على اتخاذ المزيد من الفرص في مسعى لتحقيق عوائد أعلى، لذلك تظل المخاطر على الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي مرتفعة على المدى المتوسط.

وتسلط الطبعة الأخيرة من تقرير الاستقرار المالي العالمي التابع لصندوق النقد الضوء على نقاط الضعف المتزايدة في الشركات والقطاعات غير المصرفية في العديد من الاقتصاديات الكبرى.

ومن شأن هذه النقاط وغيرها من مواطن الضعف الأخرى أن تفاقم من أثر الصدمة مثل تكثيف التوترات التجارية أو البريكست الصعب، ما يُشكل تهديداً على النمو الاقتصادي.

ويمثل هذا الموقف معضلة أمام صانعي السياسات، فمن ناحية، ربما يريدون إبقاء الظروف المالية تيسيرية لمواجهة التدهور في الآفاق الاقتصادية، ومن ناحية أخرى، يجب أن يحذروا من مزيد من التراكم في نقاط الضعف.

ويشير تقرير الاستقرار المالي العالمي إلى بعض توصيات السياسة بما في ذلك نشر وتطوير أدوات احترازية شاملة جديدة حسب الحاجة للشركات المالية غير المصرفية.

التقلبات والتحولات

منذ الطبعة الماضية لتقرير الاستقرار المالي العالمي الصادرة في أبريل/نيسان الماضي، عانت الأسواق المالية العالمية من التقلبات والتحولات في التوترات التجارية وعدم اليقين الكبير بشأن السياسات.

ودفع التدهور في ثقة الشركات وضعف النشاط الاقتصادي وتزايد المخاطر السلبية على الآفاق، البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تيسير السياسة النقدية.

وفسر المستثمرون تحركات وقرارات البنوك المركزية بأنها نقطة تحول في دورة السياسة النقدية.

وتبنى حوالي 70 بالمائة من الاقتصادات (وفقاً للناتج المحلي الإجمالي) موقفاً سياسة نقدية أكثر تيسيرية.

كما صاحب هذا التحول انخفاض حاد في العوائد على السندات طويلة الآجل، وفي بعض الاقتصاديات تكون معدلات الفائدة بالسالب.

وبشكل ملحوظ، زادت كمية السندات الحكومية وسندات الشركات ذات العوائد السالبة إلى حوالي 15 تريليون دولار.

وتمثلت النتيجة في ظروف مالية أسهل لكن هناك كذلك تراكم متواصل في نقاط الضعف المالية، خاصةً في قطاع الشركات وبين المؤسسات المالية غير المصرفية.

وتتحمل الشركات في 8 اقتصاديات كبرى مزيد من الديون وقدرتها على خدمة هذه الديون آخذة في الضعف.

وننظر في التأثير المحتمل للتباطؤ الاقتصادي الفعلي، والذي يمثل نصف الوضع الحاد في الأزمة المالية العالمية عام 2007 و2008.

والنتيجة التي توصلنا لها كانت مؤلمة: الديون المستحقة على الشركات غير القادرة على تغطية نفقات فوائد الديون من الأرباح، والتي نطلق عليها “ديون الشركات المعرضة للخطر”، قد ترتفع إلى 19 تريليون دولار.

ويمثل هذا 40 بالمائة تقريباً من إجمالي ديون الشركات في الاقتصاديات التي خضعت للدراسة والتي تشمل الولايات المتحدة والصين وبعض الاقتصادات الأوروبية.

وتزايدات نقاط الضعف بين المؤسسات المالية غير المصرفية منذ شهر أبريل/نيسان كما أنها مرتفعة حالياً في 80 بالمائة من الاقتصادات، بفعل قطاعات مالية هامة من الناحية النظامية، وهو مستوى مماثل للمستويات المرتفعة في الأزمة المالية العالمية.

ودفعت معدلات الفائدة المنخفضة للغاية المؤسسات الاستثمارية مثل شركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية ومديري الأصول للسعي لتحقيق عوائد والإقبال على الأوراق المالية الأكثر خطورة والأقل سيولة من أجل توليد العوائد المستهدفة.

وعلى سبيل المثال، عززت صناديق التقاعد استثماراتها في فئات الأصول البديلة مثل الأسهم الخاصة والعقارات.

ما هي العواقب المحتملة؟، يمكن أن تؤدي أوجه التشابه في محافظ صناديق الاستثمار لمفاقمة الموجات البيعية في السوق ويمكن أن تدفع استثمارات غير السائلة لصناديق المعاشات إلى تقييد دورها التقليدي في تحقيق الاستقرار بالأسواق.

وعلاوة على ذلك، يمكن أن تثير الاستثمارات العابرة للحدود لشركات التأمين على الحياة تداعيات جانبية عبر الأسواق.

وتتزايد الديون الخارجية بين الأسواق الناشئة والنامية كونها تجذب تدفقات رأسمالية من الاقتصاديات المتقدمة والتي تشهد ضعف معدلات الفائدة منخفضة.

وارتفع متوسط الديون الخارجية إلى 160 بالمائة نسبة إلى الصادرات مقارنة مع 100 بالمائة في عام 2008 بين اقتصاديات الأسواق الناشئة.

ومن شأن تشديد حاد في الظروف المالية وارتفاع تكاليف الاقتراض أن يجعل من الصعب بالنسبة لتلك الاقتصادات خدمة ديونها.

اختلال التوازن

وتساهم كذلك التقييمات المرتفعة للأصول في بعض الأسواق في مخاطر على الاستقرار المالي.

ويبدو أن أسواق الأسهم ذات تقييمات مبالغ فيها في الولايات المتحدة واليابان.

وفي أسواق السندات الرئيسية، يبدو أن الفوارق الائتمانية – التعويض الذي يطلبه المستثمرون لتحمل مخاطر الائتمان – معرضة لضغوط كذلك مقارنة بالأساسات الاقتصادية.

ومن شأن تشديد حاد ومفاجئ في الظروف المالية أن يكشف نقاط الضعف تلك وأن يضع ضغوطاً على تقييمات أسعار الأصول.

ما الذي ينبغي إذن على صانعي السياسة القيام به من أجل معالجة تلك المخاطر؟، وما هي الأدوات التي يمكنهم نشرها وتطويرها لمعالجة نقاط الضعف المحددة في هذا التقرير؟

ديون الشركات المعرضة للمخاطر: إشراف أكثر صرامة ورقابة احترازية كلية بما في ذلك اختبار الضغط الذي يستهدف البنوك وأدوات التحوط للشركات التي تمتلك قروض مرتفعة للرافعة المالية.

المؤسسات الاستثمارية: زيادة الرقابة وتعزيز الإفصاحات بما في ذلك تكثيف الجهود لتخفيف قروض الرافعة المالية وحالات عدم التوافق الأخرى في الميزانية العمومية.

الأسواق الناشئة والحدودية (التي تمتلك أسواق مالية أقل تقدماً من الأسواق الناشئة): ممارسات وأطر إدارة الديون السيادية بشكل مناسب.

ومع استمرار الظروف المالية التيسيرية حتى وقت متأخر من الدورة الاقتصادية، ومع تراكم نقاط الضعف، يجب على صانعي السياسات التحرك بسرعة لتجنب تعرض النمو الاقتصادي للخطر في المدى المتوسط.

وربما تسود حالة من عدم اليقين اليوم، لكن من شأن القرارات السياسية السليمة التي يجب تبنيها قريباً، أن تساعد في تجنب النتائج الأكثر خطورة.

مباشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على