في الأسابيع الماضية زادت التوترات التجارية حول العالم وخاصة بين الولايات المتحدة والصين من احتمالية أن تكون الحمائية الاستثمارية هي الأزمة المقبلة.

والمقصود بالحمائية الاستثمارية هو منع التدفق الحر لرؤوس الأموال عبر الدول.

وإذا أضفنا هذا الخطر للتوقعات المستمرة بشأن تزايد احتمالات ركود الاقتصاد، فإن تلك التطورات تشكل مخاطر إضافية على قوة الاقتصاد والنظام المالي العالمي.

ويقول ديفيد ماكورميك الرئيس التنفيذي المشارك لشركة “بريدجووتر أسوشيتس”، ووكيل وزارة الخزانة الأمريكي السابق في مقال لصحيفة “فايننشال تايمز” إن العالم شهد مخاطر مماثلة للحمائية الاستثمارية قبل عقد من الزمن، وتم توجيهها في الغالب ضد صناديق الثروة السيادية.

وتجدد الحمائية الاستثمارية التي تحظر التدفقات الرأسمالية وتستهدف صناديق الاستثمار الكبرى، قد يكون أمر محفوفاً بمخاطر أكثر حالياً بسبب الدور المتزايد الذي تلعبه في الأسواق الرأسمالية.

ويندرج تحت صناديق الاستثمار الكبرى ((Megafunds صناديق الثروة السيادية، وصناديق التقاعد الوطنية، وتجمعات عامة ضخمة أخرى من رأس المال العام، ما يمثل ظاهرة جديدة نسبياً، كما أن سرعة نموها جديرة بالملاحظة.

دور كبير في النظام المالي العالمي

وعلى مدار أخر عقدين، زادت ثروات تلك الكيانات بوتيرة أكبر من معظم الدول، واليوم فإن هناك 40 صندوق يتحكم في أصول بقيمة تقارب 12 تريليون دولار، وتسيطر على من 5 بالمائة إلى 10 بالمائة من الأصول القابلة للاستثمار، وتمثل ما يقرب من كمية الثروة التي بحوزة بريطانيا.

ووفقاً لحجمها وتأثيرها ونهجها الاستثماري فإن الصناديق الاستثمارية الكبرى لديها تأثير كبير على تدفق رأس المال وتشكيله، كما أنها توفر السيولة للأسواق المالية، ويجب على صناع السياسة الاقتصادية أن يأخذوا حذرهم من الدور الذي تلعبه في الاقتصاد العالمي.

أولاً: كمستثمرين فإن تلك الصناديق توزع رأس المال حيث لا يستطيع أو لا يفعل الآخرون، مما يدفع حدود أسواق رأس المال.

وتمتلك هذه الصناديق الاستثمارية الكبرى ميزانيات ضخمة وفرق استثمار محنكة وقيود قليلة ومحافظ استثمار عالمية وقدرة عالمية على تحمل المخاطر.

ونرى ذلك من خلال مخصصات الأصول الخاصة بها والتي تميل بشدة نحو الأسهم ذات المخاطر الأعلى والاستمارات الأقل سيولة والبديلة مثل الأسهم الخاصة والعقارات والبنية التحتية والائتمان الخاص.

ويقود ذلك النهج التوسع في تشكيل رأس المال بالاستثمار في القطاعات التي تنخفض فيها السيولة، وعلى سبيل المثال فإن الصناديق الكبرى لعبت دورا كبيراً في نمو وتطور أسواق رأس المال الخاص، لتقود مئات المليارات من الدولارات من رأس المال إلى الشركات الخاصة والبنية التحتية العامة.

ثانياً: يمكن لهذه الصناديق أن تمثل قوة استقرار في أسواق رأس المال، حيث أنه عادة ما يكون لدى الصناديق الكبرى التزامات طويلة الآجل أو غير محددة المدة، وتستهدف تخصيصات الأصول الاستراتيجية طويلة الآجل، وتحد من استخدامها للرافعة المالية.

كما أنها توفر الاستقرار للمقترضين من خلال توفير رأس مال مستقر طويل الآجل وأقل احتمالا من العديد من المستثمرين الآخرين للتعرض للضغط بسبب احتياجات السيولة قصيرة الآجل.

ونتيجة لذلك فإن الصناديق الاستثمارية الكبرى من الممكن أن تكون مصدر للسيولة اللازمة للمقترضين، وخاصة في أوقات الضغط.

وعلى سبيل المثال، خلال الأزمة المالية الأخيرة ضخ المستثمرون السياديون أكثر من 100 مليار دولار من رأس المال الشحيح للغاية في المؤسسات المالية الغربية لدعم قدرتها على سداد التزامتها..

كما أن الصناديق الكبرى توفر استقرار نظامي لأسواق رأس المال عبر إعادة التوازن إلى محافظها المالية السائلة، من خلال بيع الأصول التي ارتفعت أسعارها وشراء الأصول المباعة منخفضة السعر.

مخاوف ومبادئ

ولكن ماذا عن المخاوف من أن هؤلاء المستثمرين الذين تمولهم الدولة وتحديداً صناديق الثروة السيادية سوف يسيطرون على رؤوس أموالهم في السعي لتحقيق أهداف سياسية، بدلاً من تعزيز الأسواق الحرة؟

ومنذ أكثر من عقد من الزمن، واستجابةً للحمائية المتزايدة للاستثمار اجتمع كل من المستثمرون وصانعو السياسات لتشكيل سلسلة من المبادئ التي تحدد أفضل الممارسات للمستثمرين السياديين لتشجيع الاستثمار ذو الدوافع التجارية.

وبمراجعة تريليونات الدولارات من النشاط الاستثماري الضخم للصناديق العامة الكبرى منذ ذلك الحين – مع بعض الاستثناءات – يبدو أن هؤلاء المستثمرين قد تصرفوا بمسؤولية مع دوافع اقتصادية مرتبطة بالسوق الحر.

وبالطبع يجب مراجعة الاستثمارات التي لها آثار على الأمن القومي والتحكم فيها بعناية، ويجب أن نكون يقظين بشأن ضمان معايير مرتفعة ومناسبة فيما يتعلق بسلوك الاستثمار العام.

ولكن بينما يسعى صانعو السياسة إلى اجتياز الصراع المتنامي حول التجارة والاستثمار في وقت واحد، يجب أن يدركوا أن التطور في حجم وتكوين أسواق رأس المال يزيد من المخاطر التي تشكلها الحمائية الاستثمارية.

واليوم، تعد الصناديق الاستثمارية الكبرى مصدرًا مهمًا لرؤوس الأموال واستقرار الأسواق المالية، وبالتالي فإن السياسات التي ستؤثر عليها يجب اتخاذها بعناية فائقة.

مباشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على