قد يبدو أنه من غير المناسب بالنسبة لبنك “إتش.إس.بي.سي” التفكير في جولة قوية من خفض التكاليف، ما يعرض ما يصل إلى 10 ألف وظيفة للخطر، في الوقت الذي يقدم فيه البنك أداءاً جيداً.

وبشكل عام، يرى تحليل لصحيفة “فايننشال تايمز” أن “إتش.إس.بي.سي” يعد العملاق الضخم للخدمات المصرفية العالمية، وهي مؤسسة تضم 238 ألف موظفًا وعمليات في 65 دولة حول العالم.

ومع تحقيق ربح قبل الضريبة بقيمة 12.4 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام، فإن أداء “إتش.إس.بي.سي” جيد أيضًا.

وبينما تكافح العديد من البنوك الغربية لأن صافي هامش الفوائد تقلص بسبب معدلات الفائدة المنخفضة للغاية أو عند الصفر، فإن وجود البنك البريطاني في الأسواق الآسيوية سريعة النمو قد أعطاه تعويضًا قويًا عن الركود في أوروبا.

كما أنه من غير المعتاد أن يقوم رئيس تنفيذي مؤقت بإطلاق هذه المبادرة، حيث تم تعيين “نويل كوين” في منصب الرئيس التنفيذي بالإنابة في أغسطس/آب الماضي بعد إبعاد “جون فلينت” المفاجئ.

واستوعب “كوين” بسرعة أحد الأدوات القليلة التي يمكن للبنك استخدامها في مثل هذه البيئة وهى خفض الوظائف.

ومن المحتمل أن يكون رئيس مجلس الإدارة “مارك تاكر” قد لعب دوراً رئيسياً في هذا القرار، حيث أنه حتى في الأشهر التي سبقت رحيله ظل “فلينت” متفائلاً بأن تحسين بيئة معدل الفائدة من شأنه أن يعزز الأرباح وهو اعتقاد تم التراجع عنه مع التحول مجدداً لتيسير السياسة النقدية في الولايات المتحدة وأوروبا.

ومثل هذا الاعتقاد الخاطئ لعب دورًا كبيرًا في قرار رئيس مجلس الإدارة بفصل “فلينت”، وشددت من عزم خلفه على أن يكون أكثر قوة.

ومنذ الأزمة المالية العالمية، تحاول جميع البنوك الكبرى خفض التكاليف، وكانت جهود “إتش.إس.بي.سي” غير ناجحة.

وفي سنوات ما بعد الأزمة، حدد الرئيس التنفيذي آنذاك “ستيوارت جاليفر” أهدافًا صارمة لتخفيض ما يسمى “نسبة التكلفة إلى الدخل” – النفقات العامة كنسبة مئوية من الإيرادات- إلى ما يزيد قليلاً عن 50 بالمائة، ولكن مع النمو الضعيف للإيرادات ظلت النسبة أقرب إلى 60 بالمائة.

وينصب تركيز البنك في التخفيضات الجديدة على أوروبا، وهذا منطقي.

وفي حين أن أعمال “إتش.إس.بي.سي” الآخذة في التوسع في آسيا وأجزاء أخرى من العالم تحقق أداءاً أفضل من المتوسط ​​من حيث الإيرادات والتكاليف، فإن الأعمال الأوروبية آخذة في الانخفاض.

وفي النصف الأول من عام 2019، بلغ معدل التكلفة إلى الدخل بالنسبة لبنك “إتش.إس.بي.سي” في أوروبا 99.9 في المائة، أي أن البنك تمكن تقريباً من الوصول للتعادل بين إيرادته ومصروفاته في أوروبا.

ولم يكن “إتش.إس.بي.سي” هو أول بنك يستجيب بشكل حاسم لبيئة أكثر تحدياً هذا العام، حيث أعلن “دويتشه بنك” و”سوستيه جنرال” عمليات إعادة الهيكلة أيضاً وسط ضعف خاص في وحداتهما المصرفية الاستثمارية.

لكن “إتش.إس.بي.سي” هو أول من فعل ذلك من موقع قوة، بعدما زاد بالفعل من الربحية في النصف الأول من العام وحقق عائدًا على حقوق الملكية الملموسة بأكثر من 11 بالمائة، متقدماً بفارق كبير عن معظم المنافسين الأوروبيين.

ولكي يتم النظر إلى “إتش.إس.بي.سي” في طليعة التكيف مع وضع الاقتصاد الكلي المتغير، فإنه يتعارض مع وصفه المبرر بأنه بيروقراطية كبيرة.

وعلى الرغم من التغييريات المنتظمة في الإدارة على مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، يبدو أن شخصية البنك تقوده دائما ليسبق ويتوقع الأحداث الكبيرة.

ففي عام 2007، كان أول من أطلق صافرة إنذار بشأن أزمة الرهن العقاري عالية المخاطر، والتي كانت وحدة الأسر معرضة لها بشكل حاد.

وفي ربيع عام 2009، جمع “إتش.إس.بي.سي” مبلغ غير مسبوق ويقدر بـ12.5 مليار جنيه إسترليني من حقوق الإكتتاب، مما عزز ميزانيته العمومية قبل مطالب تنظيمية جديدة.

وهناك أسباب خاصة تفسر حاجة “إتش.إس.بي.سي” إلى خفض التكاليف في الوقت الراهن: المحاولات السابقة لم تحقق نجاحاً كافياً، والنفقات الثابتة المضافة من عمليات البنك في المملكة المتحدة تزيد من عدم الكفاءة، والمخاوف السياسية في سوق “هونج كونج” الأساسي أثارت المخاطر حول الآفاق المستقبلية.

وكل هذا يأتي بالإضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والضغط المتزايد على هوامش الإقراض من السياسة النقدية التيسيرية.

وكما هو الحال في عام 2007 ، فإن البنوك الأخرى يجب أن تلتفت إلى إشارة الإنذار المبكر التي أطلقها “إتش.إس.بي.سي”.

مباشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على