اتخذت الدول الثماني الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، بما في ذلك الصين وروسيا والهند، قراراً باعتماد العملات المحلية والوطنية في التبادل التجاري والاستثمار الثنائي وإصدار سندات، بدلاً عن الدولار الأميركي، ما ينهي عقوداً طويلة من الهيمنة الأميركية على العالم في التجارة والذهب والتعاملات النفطية، بحسب ما أوردته شركة خدمات التحليل الاستراتيجي عبر أوراسيا “سيلك روود”.
القرار يتوقع له أن يثير حفيظة الولايات المتحدة، والتي دخلت للتوّ في مواجهة شرسة مع فيروس كورونا، بعد الإعلان عن أكثر من 8 آلاف إصابة بالفيروس في أنحاء البلاد، في وقت يواجه اقتصادها تداعيات كورونا، والتي أدمت أسواق المال الأميركية وشلّت قطاع الأعمال والمصانع.
تعزيز التجارة والاستثمار
ويتوقع أن يتم الانتهاء من خريطة الطريق والتوقيع عليها في اجتماع وزراء مالية المنظمة المزمع اليوم في موسكو، حيث تترأس روسيا الدورة الحالية لمنظمة شنغهاي للتعاون.
روسيا دعت إلى تقديم اقتراحات من جميع الدول الأعضاء للتجارة والاستثمار في العملات المحلية. وبعد مراجعة تفصيلية لهذه الاقتراحات في اجتماع موسكو، من المتوقع إدخال نظام التسوية المتبادلة للعملات الوطنية للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون.
وستوقع جميع الدول الأعضاء على خريطة طريق للتجارة والاستثمار في العملات الوطنية بين الدول الأعضاء. ويذكر أن وزراء المالية في جميع الدول الأعضاء أكملوا الاستعدادات في ضوء جدول أعمال مؤتمر وزراء المالية.
وسيحضر مؤتمر منظمة شنغهاي للتعاون في موسكو ممثلون من وزارات المالية والبنوك المركزية في الصين والهند وروسيا وباكستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان. بالإضافة إلى ذلك ، فإن إيران وأفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا هي دول مراقبة وستكون حاضرة أيضاً.
وتقول التقارير إنه إذا بدأت التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون بالعملات الوطنية بدلاً عن الدولار والجنيه، فستزيد التجارة وتقوى العملات الوطنية للدول الأعضاء، بما يعزز الاستثمار المتبادل.
منظمة شنغهاي للتعاون هي أكبر منظمة إقليمية في العالم من حيث التغطية الجغرافية والسكانية، وتغطي ثلاثة أخماس القارة الأوراسية، وما يقرب من نصف سكان الأرض.
وتتطلع الصين وروسيا والهند وتركيا، وجميعها قوى اقتصادية كبرى، إلى جانب إيران والتي أنهكها الحصار الأميركي، بشكل متزايد إلى إنشاء آليات تجارية بديلة وتجنب استخدام عملة العالم الأولى “الدولار”. ويرجع ذلك جزئياً إلى الطريقة التي تراقب بها الولايات المتحدة الآن جميع المعاملات المقومة بالدولار، ولكن أيضاً كوسيلة للتغلب على العقوبات المفروضة على دول مختلفة لتثبيط التجارة.
وتشمل الأمثلة روسيا، التي تتفاوض في التجارة مع تركيا بالروبل والليرة. وقال نائب وزير التجارة والصناعة الروسي، أليكسي غروزديف، إن استخدام العملات المحلية في التجارة بين البلدين أمر ضروري. وأشار غروزديف إلى أن “روسيا ترحّب بمبادرات استخدام العملات الوطنية في التجارة مع تركيا”، مضيفًا أن المؤسسات والشركات التركية والروسية كثفت مبادراتها لزيادة التجارة مع الروبل والليرة.
التجارة المقومة بالعملات الأخرى
يُنظر إلى التجارة المتزايدة المقومة بغير الدولار الأميركي على أنها حماية ضد العقوبات. وأشار غروزديف إلى أن “تركيا وروسيا يمكنهما حماية شركاتهما والاستقلال عن تصرفات دول ثالثة باستخدام العملات الوطنية في التجارة الثنائية”.
وتراجعت الليرة التركية في الأشهر الأخيرة وأصبحت أسوأ عملة أداء في العالم في عام 2018، حيث خسرت 44 في المئة من قيمتها، ويرجع ذلك جزئياً إلى مشاكل في علاقتها بالولايات المتحدة، وهناك أيضاً وضع مماثل مع الروبل الروسي.
الهند، والتي تتعرض هي الأخرى لرسوم أميركية، استخدمت الروبية مقابل النفط الذي تشتريه من إيران، ثالث أكبر مورد لها، قبل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقف استثناءات استيراد النفط الإيراني بعد تشديد العقوبات الأميركية على طهران، حيث شمل القرار الهند أيضاً، في حين منعت العقوبات الأميركية استخدام الدولار لتسوية مثل هذه الصفقات.
وتشتري إيران أيضاً كمية كبيرة من المنتجات الزراعية من الهند. مرة أخرى من المتوقع أن تختتم هذه التجارة بالروبية الهندية. ويتطلع البلدان بشكل متزايد إلى استخدام البنوك الأصغر حالياً لإجراء مثل هذه التجارة، وفي المثال الإيراني الهندي، تم تحديد بنك UCO وبنك IDBI لتوجيه الدفع، حيث إن الاثنين ليس لديهما انكشاف على النظام المالي الأميركي. ومن المتوقع أن يتطور إنشاء هذه البنوك ونموها، بل وقد يصبح اتجاهاً، حيث يحاول المحللون إيجاد سبل للخروج من هيمنة الدولار الأميركي في التجارة واستعداد واشنطن لاستخدام العملة كسلاح تجاري.
الصين هي الأخرى كانت ولا تزال من دعاة تخفيف الاعتماد على الدولار الأميركي، وهي تدفع بنشاط من أجل الاستخدام العالمي لليوان كعملة بديلة.
قلق أوروبي
في واقع الأمر، حتى الاتحاد الأوروبي يبدو أنه يشعر هو الآخر بالقلق بشأن تعرضه للدولار الأميركي، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقد بشكل صريح الاعتماد الأوروبي على الدولار في 2018، حين قال إن الشركات والكيانات الأوروبية تعتمد بشكل كبير على العملة الأميركية، معلقاً بالقول “هذه مسألة سيادة بالنسبة إلي، ولهذا السبب أردنا أن نعمل عن كثب مع مؤسساتنا المالية، على المستويات الأوروبية ومع جميع الشركاء، من أجل بناء القدرة على أن نكون أقل اعتماداً على الدولار”.
بينما تواصل الولايات المتحدة الضغط من أجل فرض عقوبات على التجارة واستخدام قوة الدولار الأميركي لتعطيل الاقتصادات المحلية، فإن التأثير على المدى الطويل سيكون فك الارتباط التدريجي بين هذه العملات من تجارة الدولار الأميركي. هذا معترف به بالفعل من روسيا والصين، ويمكن توقع أن ينتقل إلى الاقتصادات الأخرى في جميع أنحاء أوراسيا أيضاً.
اندبندنت عربية