في وقت كانت به الشركات الأميركية تعد العدة بالفعل لتقليل اعتمادها على السوق الصيني مع استعار الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، جاءت أزمة فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″ لتثير تكهنات حول تسارع تلك الوتيرة ما قد يمثل ضربة قوية للاقتصاد الصيني، من شأنها أن تقوض مساعي بكين نحو جعل الصين أكبر مركز للتصنيع بالعالم.
وبعد خمس سنوات من تدفق الشركات الأميركية إلى السوق الصيني حيث العمالة الرخيصة والتكلفة المنخفضة، تشير بيانات صادرة عن Kearney، مؤسسة الاستثشارات العالمية المتخصصة في نشاط التصنيع العالمي، إلى تحول فعلي في سياسات الشركات الأميركية العام الماضي فيما يتعلق بالاعتماد على الصين في عملياتها.
وشهد العام الماضي اتجاه الشركات الأميركية نحو التفكير بشأن سلاسل التوريد التي تعتمد عليها بالصين من خلال محاولات إقناع المصنعين بالصين نحو نقل أعمالهم لأماكن أخرى في آسيا لخفض الرسوم أو البحث بالفعل عن موردين آخرين.
وقال باتريك فان دين بوشن أحد المسؤلين عن إعداد تلك الدراسة،” لمدة ثلاثة عقود، كانت الصين هي الخيار الأول للمنتج الأميركي لسبب واحد وهو التكلفة.. ولكن دخلت الحرب التجارية كعامل حاسم في تلك المعادلة بعد الرسوم الكبيرة التي فرضت على البضائع الصينية من قبل الإدارة الأميركية”.
يتابع “أزمة كوفيد 19 وما حدث خلالها زاد الطين بلة بالنسبة للصين فقد أدى التوقف التام للمصانع الصينية في بدء الأزمة إلى اضطرابات حادة في سلاسل التوريد للشركات الأميركية والأوروبية”.
انخفاض حاد
وتظهر قراءة مؤشر إعادة توطين الصناعات الأميركية التابع لـ Kearney زيادة في توجه الشركات الأميركية نحو الاعتماد على المكونات الآسيوية من 14 دولة من بينها الصين.
وبلغت قراءة المؤشر العام الماضي 12.07% مقارنة مع 13.05% بالعام 2018.
وكل تراجع في قراءة المؤشر علامة على تراجع اعتماد الشركات الأميركية على الأسواق الخارجية في تصنيع منتجاتها.
وبلغ حجم نشاط القطاع التصنيعي للولايات المتحدة العام المنصرم 6.2 تريليون دولار في وقت انكمشت به الواردات التصنيعية من الآسواق الآسيوية 14 بما فيها الصين إلى 757 مليار دولار مقارنة مع 816 مليار دولار في 2018 بهبوط نسبته 7.2%.
ووفقا لتلك المعطيات فإن كل دولار من ناتج النشاط التصنيعي للولايات المتحدة العام المنصرم، بلغت مساهم المكون الأجنبي به من تلك الأسواق نحو 12.1 سنت بانخفاض نسبته 1% مقارنة مع العام 2018.
ووفقا لـ Kearney ، فإن هذا الانكماش جاء مدفوعا بانخفاض الواردات من الصين بأكثر من 17% بسبب تكاليف الرسوم الجمركية.
رابحون جدد
وفي الوقت الذي كان به البساط يُسحب من تحت أقدام الشركات الصينية، كان هناك رابحون جدد في المشهد، إذ تشير دراسة Kearney إلى توجه الشركات الأميركية نحو أسواق آسيوية أخرى لتلبية احتياجتها.
وتشير الدراسة إلى أنه على الرغم من استمرار الصين في صدارة الموردين للشركات الأميركية إلا أن فيتنام بدأت تظهر في الصورة بقوة كبديل محتمل للصين، إذ تظهر الأرقام أن نحو 46% من حجم الواردات التي خسرتها الصين من الشركات الأميركية، والبالغة نحو 31 مليار، كانت من نصيب فيتنام.
ونتيجة لذلك التحول، فقد زاد حجم الصادرات التصنيعية الفيتنامية للشركات الأميركية العام الماضي بنحو 14 مليار دولار.
وكانت المكسيك رابحا آخر في تلك الحرب، إذ تظهر قراءة مؤشر يعقب توجه الشركات الأميركية نحو الأسواق الأميركية ارتفاعا مطردا العام الماضي.
وبلغت نسبة مؤشر NTFR، الذي يتعقب الواردات التصنيعية الأميركية من المكسيك ويتم احتسابه كنسبة ناتجة عن قسمة إجمالي صادرات قطاع التصنيع المكسيكي للولايات المتحدة المقومة بالدولار على قيمة البضائع التصنيعية المستوردة من 14 سوقا آسيويا، نحو 42% في 2019 مقارنة مع 38% في 2018.
أزمة “كوفيد 19″
وما يعطي صورة قاتمة لمستقبل العلاقات التصنيعية بين الشركات الأميركية والصين ما حدث في مدينة ووهان مطلع العام الجاري مع تفشي فيروس كورونا على نطاق واسع.
وتسبب توقف المصانع الصينية في أزمة بسلاسل التوريد للشركات الأميركية التي تضررت بشدة من اعتمادها على المكون الصيني، بحسب ما ذكره تقرير Kearney.
ويضيف التقرير،”لقد تضررت الشركات الأميركية بشدة في تلك الفترة، وحتى بعدما عادت عجلة المصانع الصينية للدوران مرة أخرى، كانت الشركات الأميركية تستعد لإغلاق الاقتصاد الأميركي وهو الأمر الذي أدى بالتبعية إلى تضرر أعمالها المستقبلية”.
ويرى تقرير Kearney أن الفترة المقبلة ستشهد توجه الشركات الأميركية نحو المزيد من الخفض في اعتمادها على الشركات الصينية في سلاسل توريدها الرئيسية مع البحث عن أسواق جديدة في آسيا.
العربية نت