عندما ترتفع قيمة الدولار الأمريكي فإن قيمة العملات الأخرى تنخفض في المقابل، وهو ما يحمل تداعيات سلبية سواء على العالم أو على الولايات المتحدة.
وفي الأسبوع الماضي، صعدت العملة الأمريكية إلى أعلى مستوى في حوالي ثلاثة أعوام قبل أن تشهد انتكاسة يوم الجمعة على خلفية بيانات سلبية بشأن الاقتصاد الأكبر حول العالم.
من الناحية التاريخية، فإن مؤشر الدولار هو مقياس لقيمة عملة الولايات المتحدة مقارنة مع قيمة سلة من عملات غالبية الشركاء التجاريين الأكثر أهمية لواشنطن، وظهر المؤشر في مارس/آذار عام 1973 عند قيمة 100 نقطة.
ومنذ ذلك الحين يتم رصد أداء العملة نسبة إلى هذا الأساس البالغ 100، ليلامس المؤشر أعلى نقطة في فبراير/شباط عام 1985 عند 164.72 قبل أن يسجل أدنى مستوياته عند 70.698 في مارس/آذار عام 2008.
ويجدر الإشارة إلى أن سلة العملات الرئيسية تم تغييرها في عام 1999 عندما تم تدشين اليورو كبديل للعملات الأوروبية، لكنه لا يزال يشكل عملات السويد وسويسرا رغم أن الصين والمكسيك وكوريا الجنوبية شركاء تجاريون أكثر أهمية حالياً للولايات المتحدة.
ويتكون مؤشر الدولار حالياً من ست عملات رئيسية، وهي اليورو (تمثل 57.6 بالمائة من إجمالي المؤشر) والين الياباني (13.6 بالمائة) والإسترليني والدولار الكندي والكرونة السويدية والفرنك السويسري.
إذن؛ ماذا تعني قفزة الدولار للولايات المتحدة وللعالم؟، في حقيقة الأمر، فإن قوة الورقة الأمريكية تفرض ضغوطاً على الجميع، بدايةً من المستهلكين ومروراً بالشركات وحتى الدول وخاصةً تلك التي تشهد معدلات مرتفعة من الديون.
ويمكن اختصار سلبيات قوة الورقة الخضراء في أن السياحة للولايات المتحدة تصبح أكثر تكلفة كما أن الشركات المصدرة ستعاني وكذلك الشركات الأمريكية التي تنفذ أعمالاً في الخارج، فضلاً عن الآثار السلبية على اقتصادات الأسواق الناشئة.
ماذا عن أداء الدولار؟، شهدت الورقة الخضراء ارتفاعاً نسبته 3 بالمائة منذ بداية 2020 وحتى نهاية تعاملات الجمعة الماضية، ما يجعلها العملة الأفضل أداءً هذا العام من بين كافة العملات العالمية.
وفي الأسبوع المنصرم، سجل المؤشر أعلى مستوى منذ أبريل/نيسان 2017 عند 99.91 قبل أن يتراجع قليلاً عن هذه القراءة يوم الجمعة بفعل بيانات النشاط الاقتصادي والتي أظهرت أن مؤشر مديري المشتريات المركب، والذي يعطي صورة مجمعة عن أداء القطاعين الصناعي والخدمي معاً، تحول للانكماش خلال شهر فبراير/شباط بالتقديرات الأولية مسجلاً أدنى مستوى في حوالي 6 أعوام.
لماذا يرتفع الدولار؟، جاء الصعود في قيمة العملة الخضراء مدفوعاً بعوامل مثل قيام المستثمرين بضخ أموالاً في الأسهم والسندات الأمريكية كون البلاد أقل عرضة للتداعيات الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، والذي يهدد بالفعل بتقليص وتيرة النمو في الصين وكذلك اليابان.
وتلقت الورقة الأمريكية الدعم أيضاً من اعتبارها كملاذ آمن من جانب المستثمرين وسط حالة عدم اليقين الحالية حول الأثر الاقتصادي للكورونا، لكن هذا التزاحم تجاه الدولار تزايد مؤخراً؛ بفعل الابتعاد عن الين، وهو وجهة تقليدية شهيرة للمستثمرين الذي يشعرون بالقلق.
وابتعد المستثمرون عن العملة اليابانية على خلفية المخاوف بشأن الأداء الاقتصادي لثالث أكبر اقتصاد في العالم، والذي سجل انكماشاً في الربع الأخير من العام الماضي بأكبر وتيرة فصلية منذ الربع الثاني من عام 2014.
وكسر الدولار حاجز 112 ين يابانياً في الأسبوع الماضي لأول مرة في 10 أشهر بانخفاض يصل إلى 2 بالمائة في غضون يومين على خلفية المخاوف حول قوة الاقتصاد قبل أن ترتفع العملة بنحو 0.5 بالمائة يوم الجمعة.
ونظراً لكون اليورو يشكل المكون الأكبر في مؤشر الدولار، فإن خسائره خلال الأسبوع الماضي، ساهمت في تعزيز قوة الورقة الخضراء، حيث إن العملة الأوروبية الموحدة تراجعت أدنى 1.08 دولار مسجلة أدنى مستوى منذ أبريل/نيسان عام 2017 مع بيانات سلبية بشأن اقتصاد الكتلة قبل أن تتعافى نسبياً يوم الجمعة مع إعلان بيانات إيجابية.
وفي الوقت نفسه، رغم تراجع العائد على سندات الخزانة الأمريكية إلا أنها لا تزال أعلى من العوائد التي تقدمها السندات الحكومية في الدول المتقدمة الأخرى، وهو الأمر الذي يزيد من جاذبية الدولار للمستثمرين الباحثين عن دخل.
ماذا عن الشركات؟، الدولار القوي هو تطور غير مرحب به من جانب الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات كونه يجعل الأرباح أقل عند تحويل الإيرادات الأجنبية إلى العملة المحلية، أي دولارات.
كما أن الدولار القوي يمكن أن يضر الشركات الأمريكية في الداخل، حيث أن المستهلكين في الولايات المتحدة يصبح لديهم قوة شرائية أكبر لشراء السلع من الخارج.
وترجمت الرياح العكسية من الدولار القوي إلى ما يصل قيمته إلى 11.55 مليار دولار من الخسائر الجماعية لشركات أمريكا الشمالية خلال الربع الثالث من عام 2019، بحسب بيانات شركة الخزانة والإدارة المالية “كيريبا” التي نقلتها وكالة رويترز.
وكانت شركات أمريكية مثل مالكة جوجل “ألفابت” وصانعة الآيفون “آبل” ذكرت الدولار القوي باعتباره عبئاً على أرباحها.
ماذا يعني الدولار القوي للولايات المتحدة؟، تعتبر قوة الدولار أمر ذو جوانب سلبية بالنسبة للبلاد كونه يجعل البضائع الأمريكية أكثر تكلفة في الخارج، مما يضر الصادرات كما يمكن أن يشكل عقبة أمام الاقتصاد.
وماذا عن الدول؟، في واقع الأمر، تزيد قوة الدولار من الأعباء الواقعة على الدول النامية، نظراً لأن كل زيادة في قيمة العملة الأمريكية تترجم تلقائياً إلى زيادة في خدمة ديونها.
وبحسب بيانات معهد التمويل الدولي، فإن إجمالي الديون المقومة بالدولار في الأسواق الناشئة بلغت 6.4 تريليون دولار في الربع الثالث من العام الماضي.
لماذا الرئيس الأمريكي ليس سعيداً بقوة الدولار؟، في أكثر من مناسبة انتقد دونالد ترامب قوة الدولار كما اتخذ هذا الأداء كذريعة لمواصلة هجومه على بنك الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه الذي يبقي معدلات الفائدة مرتفعة.
وفي أغسطس/آب من العام الماضي، عندما كان المؤشر يتراوح بين 96 إلى 97، قال الرئيس ترامب إن معدلات الفائدة المرتفعة تساهم في إبقاء الدولار مرتفع، مؤكداً أن قوة العملة تجعل الأمر أكثر بالنسبة للشركات كي تتنافس بشكل عادل.
كيف سيكون القادم؟، يبدو أن الوضع – على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو حتى المخاوف التي تثيرها الكورونا – لن يتغير على الأرجح في الأسبوع المقبل، وفقاً لرؤية تحليلية نشرتها مدونة البنك الهولندي “آي.إن.جي”، كما يعتقد أن تجاوز المؤشر 100 ليست سوى مسألة وقت.
مباشر