ساهمت الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كبح فاتورة الواردات إلى الولايات المتحدة، وهو ما كان له دور كبير في انخفاض العجز التجاري في أكبر اقتصاد حول العالم لأول مرة منذ ست سنوات.
ورافعاً شعار “أمريكا أولاً”، استخدم الرئيس الأمريكي سلاح التعريفات الجمركية لتقليل العجز التجاري للولايات المتحدة مع العديد من الاقتصاديات الكبرى وعلى رأسها الصين، عن طريق الحد من الواردات غير العادلة وإعادة التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة.
وأدت سياسة ترامب إلى الحد من تدفق الواردات إلى الولايات المتحدة في العام الماضي، مع تراجع الصادرات لأول مرة منذ عام 2016.
ويبدو أن سياسة “رجل التعريفات” -كما وصف نفسه- نجحت في تقليص العجز التجاري السنوي، لكنها لم تعزز النمو الاقتصادي حتى الآن كما ادعى سابقاً.
وكثيراً ما صرح الرئيس الأمريكي بأن خفض العجز التجاري بشكل كبير من شأنه أن يعزز النمو الاقتصادي السنوي إلى 3 بالمائة على أساس مستدام، ومع ذلك فشل الاقتصاد في تحقيق هذه العلامة، حيث نما بنسبة 2.3 بالمائة في عام 2019 في أبطأ وتيرة خلال 3 سنوات.
وانخفض العجز التجاري للولايات المتحدة إلى 616.8 مليار دولار خلال العام الماضي مقارنة مع 627.7 مليار دولار في 2018، متراجعًا للمرة الأولى منذ عام 2013 مع هبوط الواردات بأكثر من الصادرات.
ويمثل عجز السلع والخدمات 2.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالى في العام الماضي، أقل من 3 بالمائة في عام 2018.
فيما تراجع عجز السلع من 887.3 مليار دولار في 2018 إلى 866 مليار دولار في العام الماضي، كما هبط فائض الخدمات إلى 249.2 مليار دولار من 259.7 مليار دولار.
وهبطت الواردات الأمريكية بنسبة 0.4 بالمائة لتصل إلى 3.116 تريليون دولار مع انخفاض واردات السلع وسط تراجع حاد في المواد الخام والإمدادات الصناعية والسلع الرأسمالية.
ولكن كان انخفاض الصادرات أقل حيث تراجع بنحو 0.1 بالمائة لتصل إلى 2.49 تريليون دولار مع تراجع شحنات السلع الرأسمالية والإمدادات الصناعية والمواد الخام.
ومع المساهمة الكبيرة لإنخفاض الواردات في تراجع العجز التجاري الأمريكي، نجد أن الصين كانت من أكثر الدول التي تراجعت صادراتها إلى الولايات المتحدة.
وانخفض العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين بنسبة 17.6 بالمائة أو 73.9 مليار دولار ليصل إلى 345.6 مليار دولار في عام 2019.
ويرجع هذا الانخفاض إلى تراجع الواردات الأمريكية من الصين بنحو 87.4 مليار دولار لتسجل 452.2 مليار دولار في حين كان تراجعت صادرات واشنطن إلى بكين بوتيرة بأقل حيث انخفضت 13.5 مليار دولار إلى 106.6 مليار دولار.
وفي ذروة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين العام الماضي، فرضت واشنطن تعريفات جمركية على مليارات الدولارات من البضائع الصينية بما في ذلك المنتجات الاستهلاكية، مما أدى إلى انخفاض الواردات.
وامتدت حرب البيت الأبيض في العام الماضي أيضًا مع شركاء تجاريين آخرين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والبرازيل والأرجنتين، واتهمهم ترامب بتخفيض قيمة عملاتهم على حساب الشركات المصنعة في الولايات المتحدة.
وقفز العجز التجاري الأمريكي للسلع مع المكسيك إلى مستوى قياسي بلغ 101.8 مليار دولار العام الماضي، كما وصل العجز مع الاتحاد الأوروبي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق حيث بلغ 177.9 مليار دولار.
وخفت حدة التوترات في الحرب التجارية التي استمرت 19 شهرًا بين الولايات المتحدة والصين، حيث وقعت واشنطن وبكين على المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري الشهر الماضي، ومع ذلك، فإن الصفقة تركت التعريفات الجمركية الأمريكية على 360 مليار دولار من الواردات الصينية كما هى.
كما وقع الرئيس الأمريكي على صفقة تجارية جديدة مع كندا والمكسيك تحل محل “النافتا”.
ومع ذلك، قال “أندرو هانتر” الاقتصادي الأمريكي في “كابيتال إيكونوميكس” إنه من السابق لأوانه أن يعلن ترامب الفوز في حربه لأن تضييق الفجوة التجارية قد يكون مؤقتًا.
وأشار إلى أن الانخفاض في واردات السلع الاستهلاكية قد يكون مدفوعًا ببيع تجار التجزئة الأمريكيين مخزون الإلكترونيات الصينية الذي تم شراؤه قبل التعريفات الجمركية التي فرضت في سبتمبر/أيلول، وبمجرد استنفاد المخزونات، من المتوقع أن ترتفع الواردات مرة أخرى، وفقاً لصحيفة “الجارديان”.
وعلى أية حال، لم تنتهِ حرب ترامب نحو تقليل العجز التجاري، حيث هدد أوروبا بفرض تعريفات على واردات السيارات إذا لم تتوصل لصفقة تجارية مع الولايات المتحدة، كما سيتجه إلى الهند وفيتنام في سيبل نفس الهدف.
وقال “جيمس نايتلي” كبير الاقتصاديين الدوليين في بنك “أي.إن.جي”، إن ترامب قد يميل إلى توسيع حربه التعريفية لتشمل الاتحاد الأوروبي، بعد أن سجلت الكتلة فائضاً مع الولايات المتحدة عند مستوى قياسي في 2019.
واستطرد “نايتلي” قوله: “فائض الاتحاد الأوروبي في طريقه إلى الزيادة بمقدار 8 مليارات دولار، وبالتالي، من المرجح أن يظل الاتحاد الأوروبي قلقًا من أن ترامب قد يركز اهتمامه أكثر على المخالفات التجارية الأوروبية المتصورة في عام 2020.
مباشر